صبيحة الفراق: ذكرى لا تُنسى

صبيحة الفراق
كان الصباح يُنشقّ عبق الذكريات قبل أن تُنشقَّ أنفاسه. لم يكن مجرد يومٍ عابرٍ من أيام حزيران، بل كان اليوم الذي توقف فيه الزمنُ لحظةً، وتجمّدت فيه القلوب بين أنفاسٍ مكبوتةٍ ودموعٍ لم تُمسح بعد.
كنت فتىً في العاشرة من عمري، أعيش في زمنٍ أكبر من سنّي بكثير. زمنُ الثورة، زمنُ الدفاع المقدس، زمنٌ كان الرجالُ فيه شهداءَ قبل أن تُسجّل أسماؤهم في سجلات الشهادة. عمّي سقط في عمليات رمضان، ووالدي كان من المجاهدين، وأبناء العوائل حولنا كانوا إما على الجبهات أو تحت التراب. والأهواز، مدينتي الحبيبة، كانت تنزفُ دمًا تحت القصف الصدامي، لكنها لم تنكسر أبداً.
وفي خضم تلك الأيام، كان الإمام الخميني (رحمه الله) هو النور الذي يهدينا، هو الأب الروحي الذي نلجأ إليه، هو القائد الذي نستمد منه العزيمة. كنا نراه في صورته البسيطة، نسمع صوته الهادئ العميق، ونرى في عينيه حكمة الأنبياء وصبر الأولياء.
وذات صباح…
انتبهتُ على صوتٍ غريبٍ لم أعهده من قبل. صوت أمي وهي تبكي بكاءً مريعاً، كأنما النحيب يخرج من أعماق روحها. كانت متكئة على الجدار، كأنما الأرضُ مالت بها، ويداها على وجهها، لكن الدموع كانت أسرع من أن تُحتجز.
— ماما… ما الخطب؟!
لم تُجب. فقط أشارت بيدٍ مرتعشةٍ إلى المذياع. هناك، كان صوت مذيع الإذاعة الشهير السيد حياتي يقرأ البيان بصوتٍ مختنقٍ بالحزن:
“بسم الله الرحمن الرحيم… إنا لله وإنا إليه راجعون…”
ثم تلى كلمات ابن الإمام، السيد أحمد الخميني، الذي كان يُنعي أباه للأمة الإسلامية:
“يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربكِ راضيةً مرضيةً، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي…”
“لقد التحقت الروح العظيمة لإمام المسلمين وقائد الأحرار، الإمام الخميني، بالملكوت الأعلى. قلبٌ امتلأ بحب الله وبعباده المظلومين، قد توقف عن الخفقان – لكن قلوب المحبين له ستبقى تنبض بحبه إلى الأبد، وشمس قيادته ستظل مشرقة على العالمين.”
في تلك اللحظة، لم أفهم كل الكلمات. سمعت عبارة “به ملکوت اعلی پیوست” فلم أعرف معناها. هل يعني أن الإمام قد توفي؟ أحقاً حدث ذلك؟
— استغفر الله! كيف يخطر هذا في بالي؟ – عاتبت نفسي في سري.
لكن الحقيقة المرة بدأت تتضح حين هدأت أمي قليلاً وبدأت تتحدث. ثم حين عاد أبي من العمل في نفس ذلك الصباح، بوجهٍ يعلوه الحزن العميق. رأيت الدنيا من حولنا تتوقف – المحلات تغلق أبوابها، الدوائر الحكومية تُعلن الحداد، والبلد كله يستعد لوداع الإمام وتشييعه.
في تلك الأيام، تعلمت أن القادة العظام لا يرحلون حقاً. تعلمت أن الإمام الخميني لم يكن مجرد بشر، بل كان نوراً أضاء الدرب، وإرثاً سيبقى.
وها هي الأهواز اليوم…
ما زالت صامدة. وما زلنا نحمل نفس الروح. تلك الروح التي قال عنها الإمام يوماً: “إنها روح الله التي لا تموت.”
وها أنا اليوم، بعد سنوات، ما زلت أذكر ذلك الصباح. صباحَ الفراق الذي علمني أن الحبَّ أعظم من الموت، وأن القلوب التي تخفق بحب الله والإمام لن تتوقف أبداً عن النبض
سلام علیکم
يجب علي بدوري أن أشكركم شكرا جزيلا لكتابة هذا النص و تحميله
بصراحة الإمام هو روح الله التي لا تموت
فعلينا أن نبين منهجه الحق للآخرين
لم انسه يوما منذ وفاته (سيدي الخميني) من صالح الدعاء.