الشیخ غریب رضا
الموقع الشخصی
الشیخ غریب رضا
الموقع الشخصی

المشاركات الاخيرة

إنها هي النكبة

27/05/2021 المقالات
إنها هي النكبة
الشیخ غریب رضا

حقيقة مريرة ومؤلمة هي هذه النكبة… احتلال ارض شعب مسلم بالقوة وتشريده وارتكاب أبشع المجازر بحقه، وزرع كيان صهيوني استيطاني على أرضه، وتدنيس مقدساته.. إنّه تعد سافر على شرفنا وكرامتنا كأمّة، ومع توالي السنين واستمرار نكبة شعبنا يتفاقم إحساسنا بحجم الكارثة ونستشعر الخجل من كون أمّتنا لم تجمد على الأقل بعض خلافاتها لتتفرغ من أجل استئصال هذه الغدة السرطانية وحتى لا يرتفع صوت فوق صوت المعركة، معركة تحرير فلسطين…

لكن هناك ظاهرة أكثر بشاعة… تؤلم عمق ضمائر الأحرار وتحرقها…

هي أمّ النكبات و جذر الأزمات…

لكنها بقدر بشاعتها وخطورتها هي خفية وملتبسة… أخفى من دبيب النمل في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء…لاتظهر عياناً، بل تتخفي خلف مفاهيم مقدسة، وتتقمّص بالدين و المذهب…

تتخندق وراء شخصيات تاريخية…

تتنزل عن أفق المصالح الإسلامية العليا لتتصاغر في ساحة مصالح فئوية ضيقة…

تخلق حالات من الولاء و البراء ثانوية مزيفة في عرض الولاء و البراء الإسلامي…

لا تبقي مكاناً في الفكر والوجدان لهـمّ إحياء الحضارة الإسلامية، بل تذبح المتبقيات التراثية الحضارية في حضرة الأنا ونرجسيات الذات…

أنانية أخلاقية، لكنّها سرت من الفردية إلى الجمعية والفئوية…

وليدة الساسة السابقين وإرث للحكام الموجودين ليفضوا بها ما استعصى من مظاهر وحدة الأمة…

تجعلنا دائما على شفا جرف هار يهوي بنا إلى حروب داخلية، بدل تجميع طاقاتنا في جبهة واحدة أمام عدونا المشترك…

عملها اغتيال العقول و طمس الموضوعية و الإنصاف…

تجعلنا نفتخر بتسميات لم ينزل الله بها من سلطان و ننسى أنّ الله سمّانا المسلمين من قبل…

جمرة تؤجّج بها العصبيات العمياء نيران التكفير فتخرج بها الناس من دين الله أفواجاً…

تسخر من الحوار والتفاهم وتتغذى من مائدة الصراع بين الأخوة…

تفسّر التسامح و المرونة بالتنازل و فقدان الهوية…

لاتصدّق الخيرية والإنسانية في الآخر…

شيزوفرنيا فكرية… تتخيل نفسها شعب الله المختار…

في حسابها الآخر خبيث و عدو مبين…

لا تؤمن بالتعايش بل ديدنها إلغاء الآخر…

تجعل صاحبها يرى نفسه فوق حدود الله فهو إبن الله و خيرته…

تضفي على نفسها دوغمائيات : الفرقة الناجية والمهتدية والمنصورة و …  و تضفي على الآخر المختلف  تمامية الشر و الضلال…

الآخر في قانونها منسحق… لا شرعية لوجوده فضلا عن الإقرار ببعض حقوقه…

نعم إنها هي، هي الطائفية… النكبة الحقيقية للأمّة … الطائفية هي التي خلقت استسلامنا و ذلنا و هواننا… مزقت وحدتنا… وأذهبت ريحنا…

عندما يلوم الله تبارك وتعالى اليهود والنصارى لا يلومهم لأجل عقيدتهم فقط، فإضافة إلى نقد جوانب عقائدية في فكرهم يتناول منهج تفكيرهم أيضاً…

إنّ الله يذمّهم لتحقيرهم الآخر:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ،

القرآن ليس كتاب ألف ليلة وليلة بل في قصصه عبرة لأولى الألباب…

يبيّن الله سننه الحاكمة في مسيرة حياة الإنسان عبر محطات تاريخية… كذلك قصة الطائفية… فاتّبعنا بدعة الذين من قبلنا شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى دخلنا جحر الضب الذي دخلوه…

كان الصراع سابقا بين الأديان فقط واليوم جعلناه بين الأديان والمذاهب وبين القوميات وبين الأحزاب … فاستمرارا على نهج السلف الطائفي يقول بعض الشيعة ليست السنّة على شيء ويقول بعض السنّة ليست الشيعة على شيء…

حقيقة دامغة: ” تتشابه قلوبنا”…

عندما تكون الجريمة كبيرة وخساراتها فادحة بقدر هدم حضارة دينية إنسانية، فلابدّ أن تكون التوبة نصوحة وعظيمة بقدر الجريمة… الطائفية تمزّقنا و تجلب علينا لعنة السماء، ﴿إلا الذين تابوا و أصلحوا و بينوا فأولئك أتوب عليهم و أنا التواب الرحيم.

التوبة المعرفية من الطائفية بحاجة إلى «الإصلاح» و «التبيين»… إصلاح دمار الفكر الطائفي وتبيين المسار الصحيح في الفكر الإسلامي…

أعتقد أنّ الخطوة الأولى في مواجهة هذه الحالة المستشرية في جسد الأمة هي أن نحيط بهذه الظاهرة في مناشئها المختلفة، و نقاربها ثقافياً ومن زوايا متعددة…

و الخطوة الثانية، ممارسة النقد الذاتي وذلك في أن نخضع أنفسنا لعملية فحص دقيق معرفي لنشخص مواطن الطائفية في فكرنا وثقافتنا، قبل أن نتهجّم على الطرف الآخر لنتّهمه بالطائفية…

والثالثة تمحيص التراث من رواسب الطائفية ليكون الدين خالصا لله…

و الخطوة الأخيرة بناء ثقافة إسلامية لاطائفية شاملة تستوعب حقول المعرفة الإسلامية، وصولاً إلى فقه لا طائفي وتاريخ لا طائفي و … ولنمتلك في النتيجة علماء إسلاميون فوق الطائفة، و ثقافة عامة متسامحة لاطائفية… و إلى الأمام نحو حركة أسلمة شاملة بانقاذ التراث الإسلامي من لوثة الطائفية…

أكتب تعليقا